بحث حول الركن المعنوي للجريمة

الركن المعنوي للجريمة
خطة البحث
مقدمة
المبحث الأول: الركن المعنوي في الجريمة العمدية.
المطلب 1: القصد الجنائي وعناصره.
المطلب 2: أنواع أو صور القصد الجنائي.
المبحث الثاني: الركن المعنوي في الجريمة غير العمدية.
المطلب 1: الخطأ غير العمدي وصوره.
المطلب 2: أنواع الخطأ غير العمدي.
خاتمة
مقدمة
لقد كان القانون في العصور القديمة يوقع العقاب على الجناة، في أجسادهم بفقء العين أو جدع الأنف أو بتر الأذن، وكان القضاة يطبقون قاعدة المثل بالمثل كما هو الحال قانون حامورابي ولكن في العصور الحديثة. ومع تطور مبدأ سلطان الإرادة إذ أن كل التصرفات التي يقوم بها الإنسان حتى تكون منتجة لآثارها القانونية، يجب أن تكون صحيحة لا عيب فيها فالمجنون مثلا إذا أبرم عقدا اعتبر باطلا بطلانا مطلقا، لأنه لا توجد له إرادة والإشكال الذي يطرح هنا هو: هل يعتد بالإرادة في ارتكاب جريمة أم لا يعتد به؟ ولأهمية الموضوع المتمثلة في كيفية تكييف الجرائم إن كانت بإرادة الإنسان فيعاقب عليها أم لم تكن بإرادته الإنسان فيعاقب عليها أم تكن بإرادته فلا يعاقب عليها؟ ولهذا اعتمدنا على المنهج الاستدلالي والمنهج التحليلي. ولمحاولة فك الغموض عن هذا الإشكال المطروح سنتطرق إلى الخطة الثنائية. في المبحث الأول سوف نذكر الركن المعنوي في الجريمة العمدية أما المبحث الثاني فسنذكر الركن المعنوي في الجريمة غير العمدية.
المبحث الأول
الركن المعنوي في الجريمة العمدية
يقتضي موضوع الركن المعنوي في الجريمة العمدية التعريف به وبيان عناصره ومعرفة أنواعه وهذا ما سنعرضه على التوالي في مطلبين
المطلب الأول: القصد الجنائي وعناصره.
سوف نتطرق إلى تعريف القصد الجنائي ثم عنصري القصد الجنائي وهما الإرادة والعلم.
فرع1: تعريف القصد الجنائي.
لم يشر قانون العقوبات الجزائري على تعريف القصد الجنائي بالضبط، إلا أنه أشار إليه في كثير من مواده إلى اشتراط ضرورة توافر العمد في ارتكاب الجريمة. إلا أن الفقه حاول القيام بتعريفات عديدة، لا تختلف على التعريفات الأخرى في مضمونها إذ تدور في نقطتين هما: وجوب أن تتوجه الإرادة إلى ارتكاب الجريمة وضرورة أن يكون الفاعل على بأركانها فإذا تحققت الإرادة والعلم قام القصد الجنائي. وبناءا على ذلك يعرف القصد الجنائي بأنه العلم بعناصر الجريمة وإرادة ارتكابها(1).
وعرفها الدكتور عبد الشاذلي على أنها:" القصد علم بعناصر الجريمة كما هي محددة في نموذجها القانون وإرادة متجهة إلى تحقيق هذه العناصر أو قبولها" (2).
وعرفها الفقيه الفرنسي جارسون بأنه:" إرادة ارتكاب الجريمة كما حددها القانون" (3).
فرع2: عناصر القصد الجنائي.
بما أن القصد الإجرامي هو علم بعناصر الجريمة مع اتجاه الإرادة إلى تحقيقها أو قبولها فهذا يبين أن للقصد الجنائي عنصران أساسيان هما: العلم والإرادة وسنوضح ذلك بالتفصيل:
1. العلم: يشترط لتوافر القصد الجرمي أن يعلم الجاني أو يتصور حقيقة الواقعة الجرمية التي تتوجه إرادته إلى تحقيقها وهذا ما يسمى بعنصر العلم(4).
(1) أستاذ عبد الله سليمان. شرح قانون العقوبات الجزائري( القسم العام للجريمة). ديوان المطبوعات الجامعية الجزائرية 1998. ص231.
(2) د.فتوح عبد الله الشاذلي. شرح قانون العقوبات (القسم العام) .أبو العزم للطباعة 2001.ص464
(3) د.محمد أحمد المشهداني. الوسيط في شرح قانون العقوبات.مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع عمان. الطبعة الأولى 2001. ص123.
(4) د.سمير عالية. شرح قانون العقوبات (القسم العام). المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع1998.ص241
• ماهية العلم: هو حالة ذهنية أو قدر من الوعي يسبق تحقق الإرادة، ويعمل على إدراك الأمور على نحو صحيح مطابق للواقع. ومن هنا يتبين أن العلم يظهر للإرادة اتجاهها ويعين حدودها في تحقيق الواقعة ولكي يتواخى العلم يجب أن يحيط بجميع العناصر الأساسية اللازمة لقيام الجريمة، وهذه العناصر تسمى عناصر الواقعة الإجرامية التي يلزم العلم بها لقيام القصد الجنائي وهي كل ما يتطلب المشرع لإعطاء الواقعة وصفها القانوني وتمييزها عن غيرها من الوقائع المشروعة، وإلى جانب الإرادة يتعين أن يحيط الجاني علما بجميع أركان الجريمة كما حددها القانون. أما العلم بالوقائع فهو أن يحيط علم الجاني بكل الوقائع فهو أن يحيط علم الجاني بكل الوقائع التي يتطلبها القانون لقيام الجريمة فلا يقتصر الأمر على العناصر السابقة على السلوك وإنما يعتمد ليشمل العناصر اللاحقة والمعاصرة للفعل، طالما كانت ضرورية لتكوين القانون للواقعة(1). ففي جريمة السرقة مثلا يجب أن يعلم الجاني بأن المال المختلس مملوك لغيره، حتى يتوافر القصد في السرقة. لأن أخذ مال الغير المنقول عنصر فيها. وكذلك في جريمة القتل يتوجب علم الجاني بأن سلوكه موجه لإنسان حي ومن شأنه إزهاق روحه، لأن من عناصر القتل قتل إنسان حي وبفعل يحدث الوفاة(2).
• الوقائع التي يجب العلم بها :
الوقائع التي تدخل في تكوين الجريمة و التي يتطلب المشرع أن يحيط علم الجاني بها هي :
- 1 موضوع الحق المعتدى عليه :
لقيام القصد الجنائي وجب أن يكون الجاني على علم بموضوع الحق الذي يعتدي عليه ففي جريمة القتل مثلا يتطلب القصد أن يكون على علم بأنه يعتدي على إنسان حي , و في جريمة السرقة يجب أن يعلم أن المال مملوك للغير, فإذا كان الجاني يجهل هذه الحقائق انتفى القصد.
- 2 العلم بخطورة الفعل على المصلحة المحمية قانونا :
إذا اعتقد الجاني أن فعله لا يكون خطرا على المصلحة المحمية قانونا ثم قام بفعله على هذا الأساس فإن فعله الضار لا يعد جريمة عمدية إذا ينتفي القصد لديه
-3 العلم بمكان و زمان ارتكاب الفعل :
الأصل أن القانون يجرم الفعل في أي مكان وقع أو في أي زمان حدث و لكن القانون اشترط في بعض الجرائم أن ترتكب في مكان محدد فجريمة التجمهر لا تتم إلا في مكان عام (م/97 ق ع) و كذلك جريمة السكر العلني(3)
(1) عبد الله سليمان. نفس المرجع. ص251.
(2) سمير عالية. نفس المرجع. ص 241.
(3) عبد الله سليمان. نفس المرجع.ص 252.
(م 1 الأمر رقم 75-26 الصادر في 29 أفريل 1975) و جريمة ترك الأطفال لا تتم إلا في مكان خالٍ 413م.ق .ع.
كما اشترط القانون على بعض الجرائم أن ترتكب في زمان محدد كالجرائم التي ترتكب في زمن الحرب (م/62, م/73 ق ع) و الجرائم التي ترتكب بعد الكوارث الطبيعية (م/354 ق ع). و قد يجتمع الشرطان معا و في نفس الواقعة كاشتراط العلم بزمان
و مكان الجريمة, كما في جريمة الاعتداء على مسكن ليلا .
-4العلم ببعض الصفات في الجاني أو المجني عليه :
قد يتطلب المشرع صفة معينة في الجاني أو المجني عليه , كما يقتضي أن يعلم الجاني بهذه الصفات كي يقوم القصد في الجريمة المرتكبة. و من الصفات الخاصة في الجاني أن تعلم المرأة التي نحاول إجهاض نفسها بأنها حامل , فإذا قامت المرأة بأعمال أجهضتها
و هي لا تعلم أنها حامل لا ترتكب جريمة عمدية أي ينتفي قصدها الجنائي.
و من الصفات الخاصة بالمجني عليه التي يتطلبها القانون و التي يجب أن يعلمها لتوافر القصد كون المجني عليه موظفا في جريمة إهانة الموظفين ( م/144 ق ع ) , و كون المرأة متزوجة في جريمة الزنا ( م/339 ق ع). (1)
5-توقع النتيجة :
يهدف من أتى فعلا إلى تحقيق نتيجة محددة فيها , و توقع هذه النتيجة أمر مطلوب يتوافر القصد لديه فمن يطلق النار على خصمه يتوقع أن يقتله و تكون جريمة عمدية إذ يتوافر القصد لديه.
6-العلم بالظروف المشددة التي تغير من وصف الجريمة :يعد الظرف المشدد الذي يغير من وصف الجريمة بمثابة ركن لها و لذا وجب إحاطة علم الجاني به , م/97 عقوبات التجمهر المسلح يختلف عن جريمة التجمهر البسيط و لذا وجب علم الجاني بأنه في تجمهر مسلح لتطبيق العقوبات المشددة عليه و ما يقال على جريمة التجمهر يقال على جريمة السرقة الموصوفة.
الوقائع التي لا يؤثر الجهل بها في القصد الجنائي :
هذه الوقائع ترتبط بالجريمة و لكنها لا تعتبر ركنا فيها و لهذا فإن القانون لم يوجب العلم بها و لم يعتبر الجهل مؤثرا , و لذلك فإنها لا تؤثر على القصد الجنائي سواء علم به الجاني أو لم يعلم و هذه الوقائع هي :
(1) عبد الله سليمان. نفس المرجع.ص 253.
- جهل الجاني بحالته الشخصية التي تتطلب تشديد العقوبة : فكما هو معروف فإن العود يؤدي إلى تشديد العقوبة و الجاني يرتكب جريمة و كان قد حكم عليه من قبل , لا يقبل دفعه بأنه نسي ارتكابه للجريمة السابقة بل يعاقب على أساس توفر القصد الجنائي و مع الإشارة إلى أن الظرف لا يغير من وصف الجريمة , فالعود في المخالفات لا يرفعها إلى جنح ( م/ 465) .
- جهل الجاني بأنه أهل لتحمل المسؤولية : أن يعتقد أنه دون السن القانوني لذلك أو كان يظن بحكم وظيفته أنه يتمتع بالحصانة و الواقع غير ذلك ففي هذه الأحوال لا ينتفي عنه توفر القصد الجنائي و يحاسب على جرائمه على أساس العمد أو كان يعتقد أنه مصاب بمرض عقلي مانع من المسؤولية اعتمادا على ملف طبي ظهر أنه خـاطئ.
الجهل بالقانون أو الغلط فيه : فالأصل أن من كان يجهل أن القانون قد منع هذا الفعل أو عاقب عليه فإن جهله لا يؤثر في توفر القصد الجنائــي. (1)
2. الإرادة:
• مفهوم الإرادة:
الإرادة قوة نفسية تتحكم في سلوك الإنسان فهي نشاط نفسي يصدر من وعي و إدراك بهدف بلوغ غرض معين , فإذا توجهت هذه الإرادة إلى المدركة و المميزة عن علم لتحقيق الواقعة الإجرامية بسيطرتها على السلوك المادي للجريمة و توجيهه نحو تحقيق النتيجة قام القصد الجنائي في الجرائم المادية ذات النتيجة , في حين يكون توافر الإرادة كافيا لقيام القصد إذا ما اتجهت لتحقيق السلوك في جرائم السلوك المحض.
و للإرادة أهمية قصوى في نطاق القانون الجنائي , فالقانون يغني الأعمال الإرادية فإذا تجرد فعل الإنسان من الإرادة فلا يعتدّ به ولو أصاب المجتمع بأفدح الخسائر.
• نطاق الإرادة في مجال القصد الجنائي:
انقسم الفقه بهذا الشأن إلى رأيين , الأول يرى ضرورة أن تكون الرابطة بين الإرادة و النتيجة رابطة قوية بحيث تتجه إرادة الفاعل إليها و ترغب في تحقيقها و بالتالي تسيطر عليها كما تسيطر على ماديات السلوك و قد سمي هذا الاتجاه في الفقه بـنظرية الإرادة (2) .
الرأي الثاني يرى أن الرابطة بين الإرادة و النتيجة رابطة ضعيفة إذ يكتفي بنوع العلاقة تقوم بمجرد العلم أو التصور أو التوقع فيما يطلق عليه الفقه. بنظرية العلم.
ــــــــــــــــــــ
(1)د/ منصور رحماني .نفس المرجع – ص.110
(2) عبد الله سليمان. نفس المرجع.ص 275.
1-نظرية العـلم : ترى هذه النظرية أن إرادة الجاني تتجه لتحقيق الفعل مع علمه أو توقعه بالنتيجة فالإرادة لا يمكنها أن تسيطر على الأفعال اللاحقة على السلوك حيث تقتصر على الفعل ( السلوك ) و تأتي النتيجة بعد ذلك طبيعية لا سيطرة لإرادة الإنـسان عليها و على هذا الأساس فإن إرادة النتيجة ليست من عناصر القصد الجـنائي إذ يكفي أن يريد الفاعل الفعل و يتوقع النتيجة فحسب .
و خلاصة هذا الرأي أن القصد الجنائي يقوم على إرادة السلوك و العلم بالنتيجة أو توقعها.
2-نظرية الإرادة : ترى هذه النظرية أن الإرادة تتوجه لتحقيق الفعل المكون للجريمة فهي تريد السلوك و تريد النتيجة التي يتمثل فيها الإعتداء على المصلحة المحمية قانونا , بل أن إرادة الفاعل تريد كل واقعة تحدد دلالة الفعل الإجرامية إذا كانت جزءا يعتدّ به في تكوين الجريمة.
وحجة هذا الرأي أن العلم وحده كحالة نفسية مجردة من كل صفة إجـرامية لا يمكن أن يوصف بالإجرام فالتجريم يتناول أفعالا و ليس حالات نفسية ثابتة في حين أن الإرادة هي اتجاه و نشاط تكون مسؤولية إذا ما انحرفت عن الطريق الذي يرسمه القانون.
و ينتقد أنصار هذه النظرية نظرية العلم بالقول بأن مجرد العلم تجعل القصد الجنائي يختلط بالخطأ غير العمدي , و ذلك لأن الجاني في الخطأ غير العمدي قد يتوقع النتيجة أيضا وهي – نظرية العلم – تثير صعوبة في تحديد القصد المباشر و فصله عن القصد الاحتمالي.
و خلاصة هذا الرأي أن القصد الجنائي يتطلب إرادة السلوك و إرادة النتيجة أيضا , فإرادة السلوك وحدها لا تكفي لقيام القصد الجنائي , و هذه النظرية هي السائدة حتى الآن في الفقه على وجه العمــوم.(1)
(1) عبد الله سليمان. نفس المرجع. ص260.
المطلب الثاني: أنواع أو صور القصد الجنائي.
يقع القصد في صور متعددة وقد جرى الفقه إلى تقسيمه إلى عدة أنواع تختلف النظرة إليها وأهم هذه التقسيمات هي التالية:
فرع1: القصد الجنائي العام والخاص.
1. القصد الجنائي العام: يتمثل في انصراف إرادة الجاني لقيام بفعل وهو يعلم أن القانون ينهى عنه،أو يمكن وصف القصد الجنائي العام بعبارة أخرى فهو إرادة مخالفة القانون، يستند إلى القصد الجنائي العام للتمييز بين الجرائم العمدية وغير العمدية ذلك أن الجرائم غير العمدية لا تتطلب انصراف إرادة الجاني نحو القيام بفعل.وهو علم أن القانون ينهى عنه أي أن الجرائم غير العمدية ترتكب بصورة غير عمدية أي أن الجاني لا تتوافر لديه نية العدوان وإرادة مخالفة القانون،ويصف بعض الفقه القصد الجنائي العام بأنه قصد من الدرجة الأولى وهو أول درجات القصد الجنائي ويجب أن يتوافر في جميع الجرائم العمدية بلا استثناء ففي جريمة القتل مثلا يكون غرض الجاني إزهاق روح المجني عليه وفي جريمة السرقة يكون غرض الجاني حيازة المال المسروق (1) وهذا ما أكدته المادة 450ق.ع.ج الفقرة 5. فينحصر القصد العام في حدود تحقيق الغرض من الجريمة،فلا يمتد لما بعده ومن ذلك يربط القانون القصد الجنائي بالغرض الذي يسعى له الجاني بغض النظر عن الغاية أو البعث الذي يحركه أو يبتغيه وعلى ذلك يحقق الغرض.
2. القصد الجنائي الخاص: يعرف البعض القصد الجنائي نية تنصرف إلى غرض معين أو يدفعها إلى الفعل باعث معين(2)، أيضا بالقصد الخاص أو الباعث الخاص بأنه الدافع النفسي لتحقيق سلوك معين بالنظر إلى غاية محددة، ومثال القصد الجنائي الخاص أن المادة 216ق.ع.ج بقولها: "يعاقب بالسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين وبغرامة من 1000000دج إلى 2000000دج كل شخص، عدا من عينتهم المادة 215، ارتكب تزويرا في محررات رسمية أو عمومية:
- إما بتقليد أو تزيف الكتابة أو التوقيع.
- إما باصطناع اتفاقيات أو نصوص أو التزامات أو مخالصات أو بإدراجها في هذه المحررات فيما بعد.
- وإما بإضافة أو بإسقاط أو بتزييف الشروط أو الإقرارات أو الوقائع التي أعدت هذه المحررات لتلقيتها أو لإثباتها.
- وإما انتحال شخصية الغير أو الحلول محلها"
(1) د.فتوح عبد الله الشاذلي. نفس المرجع. ص450
(2) د.سمير عالية .نفس المرجع. ص249.
ويلاحظ أن القصد الجنائي الخاص لا يكون إلا في الجرائم العمدية، كالذي يتطلب توافر القصد إلى جانب القصد الجنائي العام في حين أن توافر القصد الجنائي العام لا يفترض دائما توافر القصد الجنائي الخاص.
ولا يعتد القانون بالباعث إلا إذا نص عليه المشرع صراحة وهو أمر نادر(1).
فرع2: القصد الجنائي المباشر والاحتمالي.
1. القصد الجنائي المباشر: يقصد بالقصد الجنائي المباشر أن تنصرف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع علمه بتوافر أركانها القانونية، واعتقاده اليقيني بان نتيجة محررة بعينها بقصدها ستحقق أو هو قصد يكون مباشرا إذا كانت النتيجة محققة قد توقعها الجاني كأثر أكيد لسلوكه ورغب في حدوثها.(2) كما يعتبر القصد الجنائي المباشر هو الأصل على مختلف صوره (3)، ومثال القصد الجنائي المباشر لأن يطلق الجاني النار على خصمه بهدف قتله، فإذا الجاني يتوقع نتيجة محددة يعينها وهي إزهاق روح المجني عليه، وبذلك يعتبر قصده هنا قصدا جنائيا مباشرا.
2. القصد الجنائي الاحتمالي ( غير المباشر): إرادة الفعل وعدم إرادة النتيجة إلا أن الجاني كان يتوقع احتمال وقوعها ويقبل هذا التوقع، وهو وسط ما بين القصد المباشر والخطأ وفيه يريد الجاني إحداث نتيجة معينة لكن ينشأ عن فعله نتائج أخرى غير التي يقصدها وتسمى بالنتائج غير المقصودة أو غير المتوقعة(4). ومثال القصد الجنائي غير المباشر أن يعمد الجاني إلى ضرب المجني عليه، ويؤدي هذا الضرب إلى وفاته ففي هذا المثال أقدم الجاني على فعل الضرب ولكن تحققت نتيجة أشد جسامة مما قدر لجريمته ولكن هذه النتيجة كانت في نظر المجني ممكنة الوقوع فيكون هنا القصد غير مباشر، وهذا ما أكدته الفقرة الأخيرة من مادة 264ق.م.ج بقولها: "....وإذا أفضى الضرب أو الجرح الذي ارتكب عمدا إلى الوفاة دون قصد إحداثها فيعاقب بالسجن المؤقت من عشر إلى عشرين سنة".
فرع3: القصد الجنائي المحدد وغير المحدد.
1. القصد الجنائي المحدد: يقصد به أن تنصرف إرادة الجاني إلى إحداث أثر أو نتيجة معينة وعقد العزم على ذلك، أو هي القصد الذي يتعمد المجرم نتيجة معينة. ومثال ذلك أن يطلق الجاني النار على شخص معين بقصد قتله ففي هذه الحالة تحدد موضوع الجريمة وبالتالي يحدد قصد الجاني(5).
(1) د.عبد الله سليمان.نفس المرجع. ص262، 263.
(2) سمير عالية. نفس المرجع. ص247.
(3) عبد الله سليمان. نفس المرجع. ص267.
(4) محمد أحمد المشهداني .نفس المرجع. ص125.
(5) سمير عالية. نفس المرجع. ص251.
القصد الجنائي غير المحدود: هو أن يوجه الجاني فعله إلى شخص أو إلى أشخاص غير معينين أو غير محددين ،غير مبال بما حدثه من نتائج فالجاني يقبل سلف أن تقع أية نتائج يرتبها نشاطه الإجرامي(1). ومثال ذلك أن يطلق الجاني النار على تجمع من الناس بقصد أن يقتل منهم أي عدد ممكن ودون أن يكون لديه تصور محدد لأي عدد من الناس سيقتل أي دون تحديد لموضوع الجريمة وبالتالي يكون القصد الجنائي غير محدد.
ويلاحظ أن القصد الجنائي المحدود والقصد الجنائي غير محدود صورتان للقصد الجنائي العام ولا صلة لهما بالقصد الجنائي غير المباشر وهما صورتان لا تكونان إلا في الجرائم العمدية(2).
(1) محمد أحمد المشهداني. نفس لمرجع. ص126.
(2) عبد الله سليمان. نفس المرجع. ص 267.
المراجع
• أستاذ عبد الله سليمان. شرح قانون العقوبات الجزائري (القسم العام للجريمة). ديوان المطبوعات الجامعية الجزائرية 1998.
• د.فتوح عبد الله الشاذلي. شرح قانون العقوبات (القسم العام) .أبو العزم للطباعة 2001.
• د.محمد أحمد المشهداني. الوسيط في شرح قانون العقوبات.مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع عمان. الطبعة الأولى 2001.
• د.سمير عالية. شرح قانون العقوبات (القسم العام). المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع1998.
• حسين فريحة. شرح قانون العقوبات القسم العام. ديوان المطبوعات الجامعية، دار النشر بن عكنون الجزائر2005.
خاتمة
تحصيلا لما سبق يمكننا القول أن كل الجـرائم تشترط لقيامها توافر ركن معنوي , فأما الجرائم العمدية فيتمثل ركنها المعنوي في القصد الجنائي و يقصد به العلم بعناصر الجريمة و إرادة ارتكابها و أما الجرائم غير العمدية فيتمثل ركنها في الخطأ غير العمدي و هو اتجاه إرادة الشخص إلى إتيان سلوك خطر دون القيام بما هو واجب عليه من التدبر و الحيطة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماهو التهميش وكيفية استخدامه في البحوث

بحث حول التزامات المشتري في عقد البيع سنة ثالثة قانون خاص